وليام روتو: تفويض أمريكي لقيادة مستقبل إفريقيا؟

 

د. محمد عبد الكريم أحمد

 

ارتفعت أسهم الرئيس الكيني وليام روتو في الشأن الإفريقي وارتباطاته الدولية منذ مطلع العام الجاري بشكل ملموس منذ تكليفه على وجه الخصوص مِن قِبَل قمة الاتحاد الإفريقي الأخيرة (أديس أبابا- فبراير 2024م) بتولّي ملف إصلاح المؤسسة القارية خلفًا لسلفه في هذه المهمة الرئيس الرواندي بول كاجامي (الذي تولاها منذ العام 2016م).

كما عزّز ارتفاع هذه الأسهم أدوار روتو الواضحة في ملفات إقليمية مهمة؛ مثل: الوساطة في الأزمة بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا، ومساعيه لاختراق الأزمة الراهنة في السودان (من بوابة ما اعتبرته السلطات السودانية الانتقالية انتهاكًا لسيادة البلاد بتقاربه مع قوات الدعم السريع وقائدها)، ثم زيارته “التاريخية” في مايو الفائت إلى الولايات المتحدة باعتباره أول رئيس إفريقي يقوم بزيارة دولة رسمية إلى واشنطن منذ نحو 15 عامًا([1]) وسط توقعات بتكليفه مِن قِبَل الحليف الأمريكي بإبراز التزام واشنطن (وإدارة جو بايدن في شهورها الأخيرة) بإفريقيا؛ في ظل حالة الاستقطاب الدولي الراهنة في شؤونها، ثم تصدُّره صفوف القادة الأفارقة في القمة الكورية الجنوبية-الإفريقية الأخيرة (4 يونيو)، ويثير صعود وليام روتو الملحوظ تساؤلات عن مدى قدرته على لعب الأدوار المنوطة به إقليميًّا ودوليًّا في ظل مصاعب داخلية واضحة تُواجه نظامه.

وليام روتو: ورقة أمريكا الرابحة في إفريقيا!

حظي الرئيس الكيني روتو باستقبال أمريكي حافل في واشنطن نهاية مايو الماضي؛ مما ميَّز زيارته التاريخية، والتي جاءت تالية لزيارات عددٍ من أبرز قادة حلفاء الولايات المتحدة لواشنطن في الأسابيع القليلة السابقة على زيارة روتو مثل فرنسا وكوريا الجنوبية وأستراليا والهند واليابان([2])، وكونها بداية مرحلة جديدة من التعاون الأمريكي الكيني (بقيادة روتو)، تجلَّت في عدة ملامح؛ مثل: ريادة روتو للمواقف الإفريقية الداعمة للموقف الإسرائيلي-الأمريكي في الحرب الدائرة في غزة، وإعلانه المتكرر تفهُّمه لدوافع العدوان الإسرائيلي، وتقاربه مع الرؤية الصهيونية لمواجهة ما يصفه بالإرهاب في “فلسطين” وفي إفريقيا؛ وموقف نيروبي الداعم لتقديم قوات كينية للتدخل في الأزمة في هاييتي (بقوة قوامها نحو 1000 جندي كيني رغم المعارضة الشعبية الواضحة لهذا التدخل)، ضمن الجهود التي تقودها الولايات المتحدة بعد تعهُّد الكونجرس الأمريكي بتقديم 300 مليون دولار دعمًا لبعثة دعم الأمن متعددة الجنسيات Multinational Security Support (MSS)، إضافة إلى مبلغ 60 مليون دولار لتوفير دعم في معدات البعثة([3]).

واعتبرت الولايات المتحدة الزيارة وسيلة لتحسين علاقاتها مع الدول الإفريقية بعد فترة تهميش بسبب الحرب في أوكرانيا، ثم في غزة. واعتبر بايدن أنه يوجد ارتباط وثيق لبلاده مع كينيا بحكم القِيَم الديمقراطية المشتركة بينهما، معلنًا إطلاق مبادرة للتعاون بينهما في العقد المقبل. كما اكتسبت الزيارة دلالة رمزية مهمة في خِضَمّ موجة الانقلابات العسكرية التي ضربت عددًا من دول القارة، وأفسحت مجالًا متزايدًا لنفوذ روسيا والصين بموازاة تراجُع عسكري وأمني أمريكي. وأكد البيت الأبيض عزم إدارة بايدن على تصنيف كينيا “حليفًا رئيسًا من خارج الناتو”، إلى جانب قطر وإسرائيل والبرازيل والفلبين([4]).

روتو وإصلاح الاتحاد الإفريقي: ما الجديد؟

تكررت مطالب الرئيس الكيني روتو منذ مطلع العام الجاري بإحداث ثورة في منظومة عمل الاتحاد الإفريقي، من أجل تحقيق كفاءة أكبر في إدارة عمل الاتحاد([5]). ويبدو أن روتو قد انتابه قَدْر مفرط من الثقة في قدرته على قيادة هذا الإصلاح بعد زيارته لواشنطن؛ إذ كشف في كلمةٍ له مطلع يونيو الجاري (خلال افتتاح اجتماع لمجموعة بنك التنمية الإفريقية في مركز كينياتا الدولي Kenyatta International Convention Centre بالعاصمة الكينية نيروبي) عن ملامح خطته المرتقبة لإطلاق تلك العملية (في إيحاء بأنها خاضعة لتصوراته الفردية).

وجاءت الكلمة تحت عنوان مضلل للغاية، وغير واقعي بطبيعة الحال، وهو: “كيف سأصلح الاتحاد الإفريقي؟” How I Will Reform AU؛ استهله روتو بالتأكيد على أن موازنة الاتحاد الإفريقي تتم الموافقة عليها مِن قِبَل “أفراد لا يمثلون القارة”([6])؛ في إشارة صادمة للغاية تمسّ القواعد الأساسية لعمل الاتحاد، وتؤشر إلى فشل أيّ محاولة لروتو لتقديم خطة إصلاح حقيقية أو عملية خارج مظلة الدعم الخارجي له، (لا سيما مِن قِبَل الولايات المتحدة وبعض القوى الإقليمية من خارج إفريقيا التي تعمل بقوة على دعم أفكار روتو وتمويلها، ثم توظيفها لتيسير تدخلها في ملفات مهمة؛ مثل: الأزمات في السودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية وموزمبيق، وغيرها).

على أي حال، فقد تعهَّد روتو في كلمته بالتركيز على أربع نقاط؛ وهي: (1) منح مفوضية الاتحاد الإفريقي (الجهة التنفيذية في الاتحاد) صلاحيات كافية تُمكّنها من القيام “بدبلوماسية إفريقيا الاقتصادية”؛ مما سيُطلق إمكانات القارة إلى آفاق جديدة، وإبراز الأصول التي تمتلكها، متعهدًا بجمع أصول إفريقيا المعدنية والتنموية الزراعية ورأسمالها البشري ومواردها الطبيعية، “واستخدامها لخلق فرص استثمار حتى نُحوِّل مقدراتنا إلى فرص، والفرصة إلى استثمار”، ورأى أن ذلك يتم عبر إصلاح الاتحاد الإفريقي ليناسب قيادته دعم السوق الإفريقية “عبر منطقة التجارة الحرة الإفريقية”، ورفع نسبة التجارة البينية الإفريقية (لمستويات جديدة)؛ إذ لا تمثل إلا 15% فقط من حجم التجارة الإفريقية مقارنةً بتجارة بينية آسيوية تصل إلى 60% وأوروبية تتجاوز 70%.

(2) تولي الاتحاد الإفريقي مهمة حفظ السلم والأمن والاستقرار (في القارة)، والمساعدة في حل الصراعات، لافتًا إلى عدم قدرة القارة على المضي قدمًا في طريق التنمية، بينما هناك “حرب في السودان، ومشكلات في الصومال، ومشكلة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وفي (إقليم) الساحل”، وأن على الاتحاد الإفريقي تولّي مسؤولية تحقيق الأمن والاستقرار.

(3) عمل الاتحاد الإفريقي مع دول العالم لجسر فجوة البنية التحتية.

(4) تفعيل مقترحات بجعل الاتحاد أكثر محاسبية، وأن يتم معالجة قصور موازنة الاتحاد وديناميات وضعها، بالإضافة إلى أن محكمة العدل الإفريقية تحتاج للدعم؛ حتى يمكنها حل القضايا الإفريقية محليًّا”([7]).

وبغَضّ النظر عن السمة الفردية التي صاغ بها روتو “خطته”، وخواء مضمونها من خط واضح لروتو، فإنها تبدو من الوهلة الأولى غير متماسكة بالمرة، ولا تأتي بجديد يُذْكَر (خارج مهمة سلفه بول كاجامي ومقررات قِمَم الاتحاد المتكررة من أعوام كما يخصّ مسألة اتفاق منطقة التجارة القارية الحرة كآلية لتعميق التجارة البينية بين دول القارة). كما يشير البند الأول من الخطة إلى تناقضات واضحة وعدم تفهُّم الحدود القائمة بين الاتحاد كمنظمة قارية تُعبِّر عن مجموع توجهات دوله، وتلك الأخيرة فيما يخص سياساتها الاقتصادية والإستراتيجية، ومِن ثَمَّ تجاهل عدم واقعية تصوُّر استعداد الدول الإفريقية بأيديولوجياتها المختلفة والتغيرات السياسية المتلاحقة التي تشهدها للتسليم بقيادة الاتحاد الاقتصادية والسياسية لهذه الدول.

كما تجدر هنا ملاحظة مهمة يُوحي ذِكْرها مجردة بالكثير؛ فقد أعلن روتو عن دعم حكومته لترشح منافسه المعارض رايلا أودينجا (الذي سبق أن أعلن امتلاكه أدلة بتزوير انتخابات الرئاسة في كينيا في العام 2019م لصالح روتو وحرمانه من الفوز بالمنصب) لمنصب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي! فيما عبَّر أودينجا عن دهشته من خطوة الحكومة التي لا يمكن فَصْلها عن خطط روتو لإصلاح الاتحاد ومدى ذاتيتها، وكونها خارج الإطار المؤسسي المفترض.

روتو والقضايا الإفريقية: تكريس الفوضى؟

وُجِّهت انتقادات متلاحقة لوليام روتو على خلفية عدد واسع من مواقفه السياسية مِن مِثْل دعمه للعدوان الصهيوني في غزة، واصطفافه خلف أحد أطراف الصراع الدائر في السودان، وتدخُّله الهشّ في الأزمة بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، إضافةً إلى مواقفه المضطربة من الأزمة في الصومال، وربطها بسياسات “مشتركة” مع نظام آبي أحمد في إثيوبيا.

وتؤشر مواقف روتو -والتي حظيت بمعارضة شعبية مهمة في كينيا- إلى جنوحه لسياسات مثيرة للجدل، ومحكومة بأجندات سياساته الخارجية وارتباطاتها في المقام الأول، كما يتضح في التوتر الداخلي اللافت الذي واجهته كينيا نفسها وزيادة النزاع القَبَلي على خلفية سعي الحكومة لمصادرة أراضٍ تخصّ أبناء قبيلة الماساي لصالح إحدى الشركات الدولية.

كما يتضح من مقاربة روتو للأزمة في شرقي الكونغو الديمقراطية صعوبة تصوُّر لعب روتو دورًا رئيسًا في قيادة القارة الإفريقية نحو حلول ناجعة لمشكلاتها المزمنة. فقد ساهمت ملاحظات روتو -على سبيل المثال- في مايو 2024م عن الأزمة الأمنية في الإقليم المذكور إلى إقدام رئيس الكونغو فليكس تشيسيكيدي على إعلان عدم رضاه عن تلك التصريحات وقراره عدم المشاركة في قمة الجماعة الاقتصادية الشرق إفريقية المقررة في نيروبي([8]).

وقد رأى روتو في تصريحات لمجلة جين أفريك (21 مايو) أن حركة M23 مشكلة كونغولية تتطلب حلًا كونغوليًّا (نافيًا وجود عناصر رواندية في الحركة، على خلاف ما تؤكده كينشاسا، وأن الرئيس الرواندي بول كاجامي متورّط حتى النخاع في تمويل الحركة ودعمها لوجستيًّا)، كما يرى مراقبون أن تبدلات موقف روتو من الأزمة باتت تتسق مع سعيه لتعزيز مكانة بلاده الإقليمية لاسيما بعد تصنيف الرئيس الأمريكي لها “حليفًا رئيسًا من خارج الناتو”، (كأول دولة في إفريقيا جنوب الصحراء تحظى بهذه المكانة، ولم تنجح الكونغو الديمقراطية في الوصول لها؛ رغم كونها مركزًا رئيسًا لقيادة القوات الأمريكية في إفريقيا “أفريكوم” طوال سنوات خلت).

ومن هنا، فإن موقف كينيا تجاه الأزمة في شرقي الكونغو وتعميق عزلة كينشاسا الإقليمية لن يقود إلا إلى تكريس الفوضى في واحدة من أخطر الأزمات الإفريقية، وهو ما يتنافى تلقائيًّا مع خطة روتو أو سياساته المعلنة في أكثر من ملف آخر.

خلاصة :

يبدو الرئيس الكيني وليام روتو -الذي تُعدّ بلاده من أهم مراكز النفوذ الأمريكي والغربي الثابتة في القارة الإفريقية منذ عقود- وجهًا جديدًا تدفع به الميديا الغربية بامتياز قائدًا إفريقيًّا متفهمًا للديمقراطية الغربية ودينامياتها، وتشابك السياسات الخارجية وحساباتها خارج دائرة التغيرات الراديكالية الجارية حاليًّا في أرجاء متفرقة من القارة.

وحظي روتو بالفعل بزخم إيجابي للغاية يُذَكِّر بما حظي به الزعيم الإثيوبي آبي أحمد في مستهل عهده من تقدير مُبالَغ فيه قبل رسوبه في اختبارات سياسية داخلية وخارجية متنوعة.

لكن يبدو أن ازدواجية المعايير وتناقضها المفرط قد باتت من أهم أدوات التنافس الدولي في القارة الإفريقية، ونتيجة منطقية لضعف العمل الجماعي الإفريقي ممثلًا في مؤسسته الأهم: الاتحاد الإفريقي. ودلَّ اختيار وليام روتو، ومِن قَبله بول كاجامي، لقيادة ما يُعرَف بملف الإصلاح المؤسساتي للاتحاد على محاصصات ضيّقة للغاية (لا سيما حال صدق تقارير تلقي روتو تمويلاً منتظمًا من إحدى الدول الإقليمية دعمًا لتوجهاته السياسية التي تتلاقى مع مصالح هذه الدولة في أكثر من ملف)، وقيادة هذا الملف مستقبلًا على نحو يُكرّس فوضى السياسة الإفريقية الجماعية وتحيزاتها و تعبيرها عن مصالح أطراف داعمة خارج القارة، وليس مصالح مسار الوحدة الإفريقية ومتطلباتها.

………………………………………………..

[1] Barbara Plett Usher, Biden welcomes Kenya’s leader as US under pressure in Africa, BBC, May 23, 2024 https://www.bbc.com/news/articles/cd1195l7nepo

[2] Caroline Gray, Kenya and the U.S. Need Each Other More Than Ever, foreign Policy, May 23, 2024 https://foreignpolicy.com/2024/05/23/kenya-u-s-biden-ruto-state-visit/

[3] President Joe Biden hails William Ruto’s ‘bold leadership’, Africa News, May 24, 2024 https://www.africanews.com/2024/05/24/president-joe-biden-hails-william-rutos-bold-leadership/

[4] Jarrett Renshaw, Biden welcomes Kenya’s Ruto to White House with investments, promises, CNBC, May 23, 2024 https://www.cnbcafrica.com/2024/biden-and-kenyas-ruto-to-announce-new-investments-as-they-seek-deeper-ties/

[5] Aggrey Mutambu, President Ruto: This is my vision and mission for the African Union, Nation, June 1, 2024 https://nation.africa/kenya/news/ruto-this-is-my-vision-and-mission-for-the-african-union-4643450#story

[6] Gilbert Koech, Ruto: How I will reform AU, The Star, May 29, 2024 https://www.the-star.co.ke/news/2024-05-29-ruto-how-i-will-reform-au/

[7] Gilbert Koech, Ruto: How I will reform AU, The Star, May 29, 2024 https://www.the-star.co.ke/news/2024-05-29-ruto-how-i-will-reform-au/

[8] Félix Tshisekedi boycotts EAC heads of state summit, Africa Intelligence, June 7, 2024 https://www.africaintelligence.com/central-africa/2024/06/07/felix-tshisekedi-boycotts-eac-heads-of-state-summit,110245828-art

المصدر : قراءات افريقية

زر الذهاب إلى الأعلى