المركزية الإفريقية” في الفكر السياسي لـ”موليفي كيتي أسانتي”
رابيع أبو زامل
مقدمة
منذ ستينيات القرن الماضي يحرص مفكرو الشتات الأفارقة على تطوير مقاربات فكرية لمقاومة أشكال التهميش للشعوب الإفريقية السوداء؛ من خلال وضع الثقافة الزنجية كمركزية عالمية فاعلة تندمج في سياق دائري للحضارة الإنسانية، بدلاً من السياق الهرمي المبني و المنحاز على أسس وقواعد الفكر الغربي التقليدي.
وقد اكتسبت هذه الأفكار مساحات واسعة من النقاشات والجدل الأكاديمي في العقود الأربعة الأخيرة، بفضل كتابات هؤلاء المفكرين، وكان من أبرزهم: المفكر الأمريكي من أصل إفريقي “موليفي كيتي أسانتي”، وهي كتابات يُصنِّفها البعض بأنها تيار متعصب للزنوج الأفارقة، يرفض كلّ ما هو غير إفريقي أسود، سواءٌ كان قادمًا من شبه الجزيرة العربية أو أوروبا([1]).
تُقدِّم هذه الورقة قراءة نقدية حول أفكار “المركزية الإفريقية” (Afrocentricity) في أعمال موليفي أسانتي، اعتمادًا على كتبه ومحاضراته ولقاءاته، وانطلاقًا من تقديم التطور الفكري لأسانتي من عالِم في مجال الاتصال يعمل على تشكيل دراسات التواصل بين الثقافات، وصولاً إلى ريادته كمنظر أول لهذا التيار.
وللتحقق من ذلك؛ تسعى الورقة إلى الإجابة عن مجموعة من الأسئلة؛ أبرزها: ما هي العوامل والظروف التي أثَّرت في تبني أسانتي المركزية الإفريقية؟ وما هي إسهاماته المباشرة في المركزية الإفريقية؟ وكيف يمكن تقييمها من حيث جوانب القوة والضعف ومقارنتها بالأفكار ذات الصلة؟ وهل تم تطبيق أفكاره أم لا؟ وهل هي قابلة للتطبيق؟
وفي ذلك، تنقسم الورقة إلى ثلاثة محاور؛ الأول يتطرَّق إلى العوامل المؤثرة في فكر أسانتي، وتشمل نشأته وسماته، وخبراته الشخصية، وقضايا العصر التي واجهها، فضلاً عن السياق الحضاري الذي عاش فيه. أما المحور الثاني فيتطرق إلى القضايا التي تناولها أسانتي حول “المركزية الإفريقية” اعتمادًا على إسهاماته الفكرية المباشرة ومراجع أخرى، فيما يقدم المحور الأخير من الورقة تقييمًا لأفكار أسانتي.
المحور الأول:
العوامل المؤثرة على فكر أسانتي
توافق ظهور أسانتي؛ أستاذ الدراسات الإفريقية و الأفروأمريكية بجامعة تيمبل في فيلادليفيا بالولايات المتحدة الأمريكية مع النضال الأمريكي متعدِّد الأعراق والثقافات ضد قوانين ونظام الفصل العنصري المحلية، وكذلك النضال الدولي ضد الإمبريالية والمراحل المتأخرة من الاستعمار الأوروبي للقارة الإفريقية، واختمرت أفكاره وإسهاماته في هذا السياق التاريخي على الصعيد الأكاديمي الدولي في مجال الدراسات الإفريقية و الأفروأمريكية.
يستعرض هذا المحور كيف كانت نشأة أسانتي في مجتمع الشتات الأمريكي، والعوامل التي كوَّنت شخصيته الناقدة لكل ما هو غير إفريقي أسود، وكيف ساعدته خبراته الشخصية والأكاديمية ومساهماته في مجال الاتصال في تشكيل أفكار “المركزية الإفريقية”.
أولاً: النشأة والظروف الأسرية
وُلِدَ آرثر لي سميث -الاسم الذي كان يحمله أسانتي منذ ولادته قبل تغييره إلى الاسم المعروف به حاليًّا في 14 أغسطس 1942م-، بمدينة فالدوستا بولاية جورجيا الأمريكية، كان والداه من العمال ذوي الياقات الزرقاء([2])، كما كان الحال مع غالبية الأمريكيين السود في أربعينيات القرن الماضي([3]).
في مقابلةٍ أُجريت معه في جامعة تيمبل في 17 أكتوبر 2001م، يقول أسانتي عن نشأته: إنه نشأ في مجتمع زراعي فقير (بمدينة فالدوستا)، وكان السود هم الأكثر فقرًا، بينما البيض يملكون المال، وفي الوقت ذاته كان يتم عزل السود وتمييزهم بالقمع والعنصرية والكراهية([4]).
نشأ أسانتي وهو الطفل الرابع من بين 17 أخًا في الجنوب الأمريكي المعزول عنصريًّا، حتى ربيعه الـ17، شبَّ على العمل في قَطْف القطن وفي حقول التبغ، غرست فيه أسرته الِقيَم الإفريقية والمسيحية؛ حيث لم يكن في مجتمعه مسلمون أو يهود، كان السود في الأساس هناك مسيحيين، ودرس الفرنسية والألمانية، وتلقى دورات بالمراسلة حول كيفية إصلاح أجهزة الراديو والساعات([5]).
عاش أسانتي حياة طفولية يغمرها الفقر، ورغم تأكيده أنها لم تغب عنها السعادة؛ إلا أنه حُرِمَ من بعض الأشياء، كذهابه إلى المدرسة بحذاءٍ بالٍ، ومعاناته من الجوع؛ حيث لم يكن يجد ما يكفي لسد الحاجة للطعام في بعض الأحيان، ويصور كيف كان والداه يواجهان صعوبة في إطعامه وإخوته الـ16 الآخرين، إلا أنهما كانا مبدعين في طريقة تقطيع الخبز، وتخفيف العصائر، واستخدام مرق اللحم لسد حاجة الجميع، كانت والدته تعمل في منازل البيض، وهي لم تحصل على تعليم عالٍ([6]).
أما والده فكان يعمل في السكك الحديدية حتى أُصيب في ظهره، فلم يتمكَّن من العمل ممَّا أدَّى إلى تفاقم المصاعب الاقتصادية التي كانت تمر بها عائلته([7]).
ثانيًا: الخبرات الحياتية والتعليمية
المشكلات التي واجهها أسانتي تكاد تكون هي نفس مشكلات الأفارقة في الشتات عمومًا والولايات المتحدة خصوصًا، والتي تتمثل في التمييز والعنصرية، بالإضافة إلى معايشته قضايا التحرر الإفريقي.
ففي سنوات عمره الأولى؛ حيث نشأته في فالدوستا الجنوبية الأمريكية، عاصَر أسانتي لأول مرة المظالم الاجتماعية التي ارتُكِبَت بحق السود في ظل نظام الفصل العنصري، فقد واجَه أول واقعة عنصرية بحقه شخصيًّا في سن الحادية عشرة، وذلك حين تعرَّض للبصق مِن قِبَل رجل أبيض، وهي واقعة تَركت بصمة لم تُمْحَ عن ذكريات طفولته، وكانت بداية سَعْيه لإنهاء التمييز بحق الأفارقة السود في الشتات الأمريكي([8]).
واشتبك مبكرًا مع الحركات متعددة الثقافات التي عانت من عنصرية واضطهاد الأمريكي الأبيض، وهو ما عبَّر عنه في كتابه “خطاب الثورة السوداء”؛ بأن الاستيعاب والانفصال والثورة هي الموضوعات التي شكَّلت الخطاب الأسود في ستينيات القرن الماضي، بالتزامن مع ارتفاع أصوات القوميين السود الذين أصرُّوا على حقوق الإنسان لجميع الأمريكيين بأيّ ثمن كان([9]).
وفيما تعاطف مع مارتن لوثر كينج في نضاله السلمي لنيل حقوق السود، بيد أنه دعا -بعد عام واحد من اغتيال لوثر كينج- كل أسود في الشتات الأمريكي إلى وضع بندقية في منزله؛ للتعامل مع العنصرية البيضاء، فقد كان يرى ضرورة التعامل بهذه السياسة الخشنة باعتبار “السياسة هي حرب بدون إراقة دماء، ولكن الحرب هي سياسة مع إراقة دماء”([10]).
وفي مطلع الثمانينيات، أصدر أسانتي كتابه عن المركزية الإفريقية والتغيير الاجتماعي بعد سياسات التهميش التي اتبعها الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان بحق الأفارقة السود([11]).
وأسانتي، أكاديمي أمريكي من أصول إفريقية، يُعدّ أحد أبرز المتخصصين في الدراسات الإفريقية والأفروأمريكية، يعمل حاليًا أستاذًا بقسم الدراسات الأفروأمريكية بجامعة تيمبل الأمريكية، وكان قد أسَّس هناك برنامجًا للدكتوراه في مجال الدراسات الإفريقية الأمريكية، قبل أن يرأس معهدًا يحمل اسمه للدراسات الإفريقية([12]).
وفي تتبع الحياة التعليمية والأكاديمية لأسانتي، يتبين أنه بدأ تعليمه من مدرسة ناشفل المسيحية بولاية تينيسي (جنوب شرقي الولايات المتحدة)، وهذه المدرسة كانت واحدة من عدد قليل من المنصات التعليمية المحلية المسموح للسود في الولايات المتحدة بدخولها، وبعد تخرجه عام 1960م التحق بجامعة ساوث ويسترن كريستيان، وهي كلية تقع بولاية تكساس، وذات تاريخ طويل في استيعاب السود، مكث بها قرابة عامين قبل أن ينتقل إلى جامعة أوكلاهوما المسيحية؛ حيث حصل على درجة البكالوريوس في الاتصال عام 1964م، قبل أن يحصل على درجة الماجستير في الاتصال عام 1965م من جامعة بيبردين، وفي عام 1968م نال الدكتوراه من جامعة كاليفورينا في لوس أنجلوس([13]).
المسيرة الأكاديمية لأسانتي، بدأت عام 1968م بتعيينه -لأول مرة ولفترة وجيزة- أستاذًا مساعدًا في الاتصال في جامعة بيردو. وفي عام 1969م عاد إلى جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس في منصب أستاذ مشارك في الاتصال ومديرًا لمركز الدراسات الأفروأمريكية. وخلال تلك الفترة شرع في إعداد نفسه كعالم متمركز حول إفريقيا، ليكرِّس دراساته حول السود تحديدًا، كما لعب دورًا أساسيًّا في إنشاء برنامج الماجستير في الدراسات الأفروأمريكية بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، وكان مؤسِّسًا مشاركًا لمجلة الدراسات السوداء.
وفي عام 1972م قام أسانتي برحلته الأولى إلى إفريقيا، التي زار خلالها السنغال وغانا ونيجيريا وتنزانيا وإثيوبيا وكينيا، وهناك “أدرك لأول مرة كم هو جنون أن يكون للرجل الأسود اسم أوروبي!”، ففي غانا قرر تغيير اسمه من أرثر لي سميث إلى موليفي كيتي أسانتي بعد كتابة خمسة كتب باسمه الأول، ليعلن في العام التالي تغيير الاسم بشكل قانوني، وهو يعني في اللغات السواحيلية “حارس التقاليد وعاشق الموسيقى”، وقد كان ذلك قبل انتقاله إلى بوفالو في ولاية نيويورك، لقبول منصب أستاذ ورئيس قسم الاتصالات عام 1976م([14]).
خلال الفترة من عام 1977 إلى 1979م، شغل الرجل منصب رئيس قسم الدراسات السوداء بجامعة ولاية نيويورك، وهي فرصة لعبت دورًا في قراره بتحويل التركيز الوظيفي من الاتصالات إلى الدراسات الأفروأمريكية، ليشهد عام 1980م تحولاً كاملاً في حياته بعد نشر كتابه “أفروسنتريستي”، وفي هذا العمل النقدي طرح نظريته على أساس الوعي الثقافي الإفريقي، وفيه دوَّن رَفْضه للهيمنة الأوروبية ومركزية الثقافة الغربية، داعيًا إلى الاعتراف بوجود نظريات المعرفة الإفريقية التي كانت موجودة قبل الهيمنة الأوروبية، منطلقًا من أفكار وأعمال سابقيه من أمثال ماركوس جارفي والشيخ أنتا ديوب([15]).
وفي عام 1984م، تم تعيينه رئيسًا لقسم الدراسات الأفروأمريكية في جامعة تيمبل([16])، الأمر الذي أكسبه اعترافًا كرائد في هذا المجال، وتحت قيادته أنشأت جامعة تيمبل أول برنامج دكتوراه في العالم في الدراسات الأوفروأمريكية عام 1988م([17]).
ومع وجود مئات المنشورات له في شكل كتب ومقالات وافتتاحيات؛ اكتسب أسانتي شهرة عالمية واسعة وقد حاضَر في كليات وجامعات عدة حول العالم، كما تُرجمت العديد من أهم أعماله إلى لغات منها الفرنسية والبرتغالية والإسبانية([18]).
كما أسَّس أسانتي بصحبة آخرين جمعيات لدعم نشاطه وأفكاره؛ منها:
– عنخ: وهي جمعية معنية بالتراث النوبي ومصر القديمة؛ للقيام بأبحاث أولية حول مصر.
– معهد أفروسنتريك: الذي يعمل كمظلة لدعم الأنشطة الإفريقية.
– المركز الثقافي الإفريقي في غانا: وتم إنشاؤه بعد أن مُنِحَ أسانتي أرضًا لتطوير المركز لجمع ثقافات غانا وكل إفريقيا والشتات، مِن قِبَل مَلِك يُدْعَى نانا أوكرو أشانتي([19]).
– مركز تمبل لأبحاث مناهضة العنصرية([20]).
ثالثًا: السياق الحضاري
نشأ أسانتي في سياق حضاري شكَّل ملامح أفكاره حول المركزية الإفريقية؛ حيث يمكن تلمُّس ذلك من خلال تأثره الفكري بما يلي:
أولاً: النزعة المركزية الإفريقية في ستينيات القرن الماضية، والتي اكتسبت شرعية شعبية ورسمية داخل الولايات المتحدة، بفضل نشاط حركة الحقوق المدنية في إلغاء القوانين العنصرية (1954-1968م)([21]).
ثانيًا: حركة الدراسات السوداء التي حلَّق بها مفكرون منحدرون من أصل إفريقي، والتي أبقت الثقافة الأفروأمريكية على قيد الحياة من زمن الاستعباد حتى الوقت الحاضر([22]).
ومع ذلك؛ يمنح أسانتي الفضل لمفكرين أفارقة عاصرهم أمثال مولانا كارينجا في “القومية السوداء” والشيخ أنتا ديوب (الذي يربط الأصل الزنجي بالحضارة المصرية)، فمن جهة يرى أن كارينجا كان له الفضل في كونه أول مَن فتَّح عينيه على التفكير النقدي بعد التأثير الأوروبي الذي تعرَّض له أثناء الدراسة، ومن ناحية أخرى استفاد من أعمال ودراسات أنتا ديوب الذي التقاه لأول مرة عام 1980م([23]).
وإلى جانب كارينجا وديوب، فإن أسانتي تأثَّر أيضًا بشخصيات أخرى، منها زوجته كاريامو ويلش ومفهومها حول نظرية “أوم فون دا لاي”(*) التي كانت تشكل رقصات منبعها مجموعات إفريقية عرقية بأخرى من ثقافات أخرى([24])، إلى جانب مارمبا آني(**) في تحليلها للعالم الأوروبي من وجهة نظر إفريقية، وكذلك أشخاص مثل كوفي أوبوكي أساري الفيلسوف الغاني لتقاليد وعادات أكان، ونيوفيل أوبينجا الفيلسوف الإفريقي الذي يهتم باللغويات وتحليل الارتباط بين اللغات الإفريقية في جميع أنحاء القارة باللغات المصرية القديمة وحضارات وادي النيل([25]).
ويتبين من المحور الأول، أن أفكار أسانتي لم تأتِ من فراغ، بل هي وليدة بيئته التي نشأ فيها؛ إذ إن نشأته في فالدوستا بالجنوب الأمريكي وفي أسرة فقيرة تكاد تكون معدمة، بالإضافة إلى معاناته من عنصرية البيض على غرار بقية السود في الشتات الأمريكي؛ انعكست بطبيعة الحال على رفضه لهذا الوضع والسعي إلى تغييره.
كما أن تأثره بكتابات غيره من المفكرين الأفارقة؛ سواء في الشتات أو داخل إفريقيا، ممن عانوا -وهو أحدهم- من سياسة التهميش والعنصرية والتقليل من الذات؛ دفَعه إلى البحث عن خلفية حضارية للأفارقة السود، إلا أن المعضلة والإشكالية الرئيسة التي واجهت هؤلاء المفكرين الذين أثروا على أفكار أسانتي تمثلت في كونهم لم يجدوا تاريخًا مدعاة للفخر أمام الحضارة الغربية التي كانوا يهاجمونها، وبالتالي وجدوا في الحضارة المصرية القديمة ضالتهم، ما ينعكس منطقيًّا على أسانتي بصفته مُتَبَنٍّ لتلك الأفكار، وإن كان قد استخدمها في سياق متطرّف طال المصريين أنفسهم وينزع عنهم مصريتهم وأصولهم الحضارية والتاريخية.
المحور الثاني:
المركزية الإفريقية
تُنسب “المركزية الإفريقية” كمنظور فلسفي نظري له أصول إلى ثلاثية أسانتي: (Afrocentricity), (The Afrocentric Idea), (Kemet, Afrocentricity, and Knowledge)، والتي تشكل في مجموعها الجوهر الأساسي للسردية التي تركز على تجارب الشعوب الإفريقية الزنجية كمحور للكون، وفي ذات الوقت لا تُشكّك فحسب فيما تصفه بتحيُّزات أوروبية لحركة التاريخ، بل إنما ترفض أيضًا كل ما هو غير إفريقي؛ سواء كان أوروبيًّا أو حتى عربيًّا.
في هذا المحور، سيتم التطرق إلى بعض الأفكار التي طرحها أسانتي حول “المركزية الإفريقية”؛ اعتمادًا على إسهاماته الأكاديمية ومحاضراته ولقاءاته في السنوات الأخيرة، بالإضافة إلى مراجع وأدبيات أخرى.
الأفكار الرئيسة للمركزية الإفريقية:
قبيل الشروع في طرح أبرز أفكار أسانتي، ثمة كتابات مبكرة له من الأهمية بمكان الإشارة إليها؛ لما لها من دلالات قد تقود إلى تفسير أسباب تحوُّله الفكري من النضال ضد العنصرية الأمريكية بحق السود إلى رفض كل ما هو غير زنجي في تأطيره لـ”المركزية الإفريقية”.
ففي كتابه “بلاغة الثورة السوداء” المنشور عام 1969م، يحدِّد أسانتي أربع استراتيجيات لخطاب الثورة السوداء، وهي: “التشهير، والتشييء، والخرافة والأساطير، والشرعية”([26]). وفي تفكيك هذه الاستراتيجيات، يشير أسانتي إلى أن “التشهير” يعني تشويه سُمعة خصم واحد واضح بلغة قاسية([27]). أما الاستراتيجية الثانية “التشييء” فهي تعد بالنسبة له أكثر أمانًا من الأولى، وتعني توجيه مظالم مجموعة معينة نحو جماعة أخرى مثل أمة أو حزب سياسي أو عِرْق ما من خلال سخرية غير واضحة المعالم([28]).
وثالثًا: استراتيجية “الأساطير والخرافة” باختلاق قوة روحية أو رموز دينية في محاولة لإثبات صحة فرضية واستقامة الثوري الأسود بقوة التاريخ([29]).
والرابعة والأخيرة تقوم على دعوة السود إلى تبنّي خطاب ثوريّ، يستخدم “الشرعية” في الرد على معارضيهم، وهي بوجهة نظره أكثر من مجرد رد جدلي تجاه الخصم، بل إنها سلاح نفسي لتبرير النشاط الثوري([30]).
يمكن القول: إن استراتيجيات خطاب الثورة السوداء، تمثل اللبنات الأولى التي طوَّر من خلالها أسانتي أفكاره حول المركزية الإفريقية، وهو ما يتبين في ثلاثيته التي تنسب الحضارة الإنسانية للزنوج، وتستثني وتهاجم في الوقت ذاته بقية القوميات والحضارات من خارجهم.
وفي تعريفه للمركزية الإفريقية، يقول أسانتي: إنها نموذج يدمج جميع الظواهر من وجهة نظر الشعوب الإفريقية كموضوعات في تاريخ البشرية بدلاً من كونها هوامش لثقافات أخرى. وهي تعبِّر في بعض النواحي كذلك عن مسألة الإخلاص الثقافي، وكيفية ارتباط الأفارقة بجذورهم الإفريقية([31]).
أبرز الافتراضات التي تتبناها المركزية الإفريقية عند موليفي أسانتي
وفيما يلى تقسيم لأبرز الافتراضات التي تتبناها المركزية الإفريقية عند موليفي أسانتي، والتي طرحها في ثلاثيته التي سبق الإشارة إليها، بالإضافة إلى خطاباته ومحاضراته ومقالاته.
1- نبذ الأديان السماوية
تمثل واحدة من أبرز الافتراضات التي تقوم عليها أفكار أسانتي، ففي الفصل الأول من كتابه “المركزية الإفريقية”، يرى أن الإسلام والمسيحية وكذلك اليهودية لا تمثل ديانات للأفارقة، وأن الاستغناء عن تلك الأديان يمثل خطوة في مسار التعافي الوطني للمركزية الإفريقية، ويجادل في ذلك بالقول: “إن لم يستطع إلهك التحدث إليك بلغتك فهو ليس إلهك، إلهك هو الذي يكلمك بلغتك”([32]).
وعلاوة على ذلك، يدعو أسانتي الزنوج الباحثين عن إلهٍ إلى البحث عن الأساطير القديمة على غرار “إيزيس وأوزوريس”، و”ماو وليزا”([33]). دون أن يُخْفِي إعجابه في الوقت ذاته بعظمة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وقدرة الدين الإسلامي على الوصول إلى قادة ومفكرين أفارقة؛ أمثال مالكوم إكس([34]).
2- الكيميتية
المركزية الإفريقية عند أسانتي تُعبِّر عن منظور فكري وليس سياسيًّا، ولا تُمثِّل وجهة نظر إفريقية معارضة ومناوئة للمركزية الأوروبية فحسب، بل هي منبع كل شيء، وأنه يجب النظر للعالم من عدسة زنجية خالصة، وأن كل العلوم الغربية الحالية مصدرها “كيميت” (مصر القديمة) التي يزعم بأنها هي الأخرى “أُمَّة إفريقية سوداء” سرقت منها أثينا القديمة ثقافتها وأفكارها ونسبتها إلى الحضارة الأوروبية([35]). وفي ذلك يرى أسانتي أن حركة التاريخ البشري والحضارة تبدأ من الأهرامات في مصر القديمة التي يزعم بأن مَن شيَّدها هم الزنوج كمعمل كبير للمعرفة بمختلف أنواعها([36]).
ومع ذلك، يمكن القول: إن أسانتي يحارب على جبهتين؛ الأولى مع الغرب، الذي لم يسلبه أيّ دور في تشكيل حضارته الحديثة فحسب، بل اتهمه بسرقة حضارة الأفارقة السود في مصر القديمة. والأخرى مع مصر التي نَسَب كل حضارتها الفرعونية إلى السود، مع استبعاد أي دور للحضارات المختلفة التي اختمرت فيما بينها سواء كانت إسلامية أو مسيحية أو غيرها، مشددًا بالقول على أن “المركزية الإفريقية” هي أصل الجنس البشري، وهنا يشير إلى أن الأهرامات في مصر القديمة وفي السودان وبلاد النوبة “لم يكن لها مثيل في أي مكان في العالم وقت بنائها.. فقد بناها السود قبل ميلاد المسيح.. وقبل غزو العرب عسكريًّا لمصر ومن بعدها إفريقيا”([37]).
فالأهرامات، وفق أفكاره، تمثل بداية الطريق للحضارة الإنسانية، وليس أثينا القديمة التي تزعم المركزية الغربية أنها منبع العلوم والفنون، لذا فإن أسانتي يجادل بأن أي محاولة للتشكيك في أصالة الحضارة اليونانية القديمة هي مصدر قلق مباشر حتى للأشخاص الذين لا يهتمون عادة بالماضي البعيد، وفي ذلك يفنِّد “زيف المزاعم الغربية” بأن “الأهرامات التي بناها الأفارقة السود أقدم من الإلياذة والأوديسة بما حملته من قِيَم حول المعرفة والاستكشاف والقدرة البشرية”([38]).
3- الحضارة الزنجية
في واحدٍ من لقاءاته في 22 يناير 2023م، بمناسبة منع مصر حفلاً على أراضيها للمغني الأمريكي من أصل إفريقي كيفن هارت، بدعوى تبنّيه أفكار “المركزية الإفريقية” التي عبَّر عن رفضها كثير من المصريين؛ زعم أسانتي أن الحضارة المصرية القديمة أسَّسها الزنوج الأفارقة، وأن مصر القديمة تعني “كيميت” بالمعنى الحرفي “الأرض السوداء”، التي تعود إلى هؤلاء الذين يعيشون في أعماق إفريقيا، قبل أن تغيّر طبيعة سكانها غزوات الأمم السابقة، ومن بعدهم غزوات العرب الذين تحايلوا على دعوة الأفارقة أصحاب الأرض لهم لإنقاذهم من بطش الرومان، وأن ملوك وملكات مصر القدماء أمثال حتشبسوت ورمسيس الثاني كانوا من ذوي البشرة السمراء، متوعدًا في اللقاء ذاته بأن الحركة الزنجية ستتعامل مع الأمر بعد أن تنتهي من مواجهتها للعنصرية الأمريكية التي تصنّف الأجناس بين أبيض وأسود([39]).
من جهة أخرى -وفي سياق غير بعيد- فإن الشيخ أنتا ديوب نفسه، وصف الاعتقاد بأن الغزوات العربية تسبَّبت في نزوح عرقي جماعي إلى إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، بأنه “نسج من الخيال”([40]).
4- الجارفية
وهي مدرسة زنجية تنسب إلى الجمايكي من أصل إفريقي “ماركوس جارفي”، نادت بالفصل الكامل بين البيض والسود، وعودة الأفارقة في الشتات الأمريكي إلى إفريقيا، وهي تمثل -من وجهة نظر أسانتي- النموذج الأول للحركات الجماهيرية الإفريقية بشكل عام، والحركات القومية على وجه التحديد. وأن جارفي الشاعر والأستاذ الجامعي والكاتب المسرحي والمؤرخ والقائد العسكري، هو كل ما يحتاجه الزنوج وقت الأزمات([41]).
5- التمرد على المركزية الأوروبية
يرى أسانتي أن أهم وظيفة لفكرة المركزية الإفريقية، هي أنها أظهرت اللامنطقية في نظرية المعرفة التجريبية، والتشكيك في نفس الوقت في نسبة الحضارة لجذور يونانية. وفي ذلك يجادل بأنه لا يمكن أبدًا فهم إفريقيا إلا بالتبرؤ من ربط إفريقيا بماضيها الكلاسيكي، وذلك بالتخلي عن فكرة أن الأفارقة هم الذين يقفون على هامش حضارة الغرب وانتصاراته، وبالتالي الهيمنة عليهم ثقافيًّا وتاريخيًّا.([42])
6- التفوق الإفريقي
إلى جانب الذكاء واليقظة و الاتعاظ من دروس التاريخ؛ تمثل البلاغة الإبداعية أحد أبرز مقومات القوة في دعوة أسانتي لتبنّي “المركزية الإفريقية”، فاللغة السوداء لا يجب أن تعكس الواقع فحسب، بل يجب أن تؤثر وألا تسمح للآخرين بحصر الأفارقة في أفكارهم؛ حيث التحرير في الأساس هو الاستيلاء على أدوات السيطرة([43]).
وفي ذلك يرى أن المركزية الإفريقية تخدم الشعوب الإفريقية، وتمنحهم الانتصار والتحرُّر دون أن تسبب لهم الأذى([44]). وبالتالي فإن التحول الأفرومركزي، من وجهة نظر أسانتي يجب أن يتضمَّن استبدال المفاهيم الانهزامية بالفكر المنتصر، واستبدال الأسماء الغربية بأسماء إفريقية، وعدم احترام الناس إلى احترام الذات، وأخيرًا بدلاً من ربط الجميع بأوروبا يجب ربطهم بالمركزية الإفريقية([45]).
7- الأفرولوجيا
واحدة من الافتراضات التي تقوم عليها أفكار موليفي أسانتي علم الأفرولوجيا Afrology، باعتباره “مقاربة منهاجية ووظيفية تبلور المفاهيم والأساليب الخاصة بعلماء الاجتماع والإنسانيات من ذوي التوجهات السوداء”، وعلى مَن يريد دراسة الأفارقة -وبغض النظر عن عرقه- أن يمتلك صفات أساسية؛ أهمها الكفاءة ومهارة التحليل، إلى جانب وضوح الرؤية تجاه القضايا ذات الطابع الإفريقي([46]).
8- المفهوم السياسي للعِرْق
لا تُعد العِرْقية مفهومًا يعبّر عن حقيقية أنثروبولوجية في أفكار أسانتي، بل تُعبِّر عن مفهوم سياسي، ويدعو إلى نَزْع الطابع السياسي عن المفهوم من خلال تفكيكه أولاً على مستوى علماء الاجتماع ممن يدعمون التفوق العرقي الأمريكي للبيض، ثم إعادة هيكلة وتنظيم المفهوم بأكمله من جديد دون تسييس الهوية العرقية([47]).
9- تعويض الأفارقة
بسبب معاناة الأفارقة حول العالم، يدعو أسانتي إلى ضرورة وجود تعويضات لهم، على أن تتم على مستويين؛ الأول على مستوى الدول؛ وذلك من خلال إسقاط ديون الدول الإفريقية؛ كون أوروبا مَدينة لإفريقيا أكثر بكثير مما تدين به إفريقيا لأوروبا. والآخر على مستوى الشعوب، على أن يمنح الأفارقة الذين تم استعبادهم في البرازيل وجمايكا وفنزويلا وكولومبيا والولايات المتحدة، مقابل مادي نظير 400 عام من العمل القسري([48]).
أيديولوجيات إفريقية ذات علاقة:
يمكن القول: إن الجذور التاريخية للمركزية الإفريقية تعود إلى أواخر القرن 18 وبدايات القرن 19، حين تصاعدت دعوات أفارقة في الشتات إلى العودة إلى إفريقيا للتخلص من العنصرية؛ باعتبار إفريقيا هي الخلاص لكل إفريقي مُستعبَد.
وهي تنتمي لحقل الفكر السياسي الإفريقي، وتمثل اتجاهًا ثقافيًّا ظهر أواخر القرن العشرين كمدرسة فكرية تسعى إلى تأسيس نموذج معرفي إفريقي يتمركز فيه الأفارقة حول أنفسهم. ويمكن التمييز بين المركزية الإفريقية واتجاهات أيديولوجية إفريقية أخرى، أبرزها:
1/الجارفية:
نسبة إلى ماركوس جارفي، وكان زنجيًّا خالصًا وُلِدَ في جاميكا إحدى جزر الكاريبي، وكانت له شهرة واسعة في الدعوة لعودة أفارقة الشتات إلى القارة خلال العقدين الثاني والثالث من القرن العشرين، وقد قام بجهود كبيرة في هذا المجال، ووُصِفَت حركته بـ”الصهيونية السوداء”، لكن لم تُكلل جهوده بالنجاح؛ حيث مات في لندن عام 1940م دون أن تطأ قدماه أرض إفريقيا. وكثيرًا ما عبَّر أسانتي عن تقديره الكبير لجارفي، الذي يتفق مع أفكاره حول تفوق وسيادة السود على الجنس البشري كله، في سياق عنصري معاكس([49]).
2/ الزنوجة:
ظهرت كتيار حركي أواخر الثلاثينيات، ومن أبرز رُوّادها ليوبولد سنغور وإيمي سيزير والشيخ أنتا ديوب، وإن كان يُنظر إليها كتيار أعم وأشمل من المركزية الإفريقية([50]).
3/ الوحدة الإفريقية
المركزية الإفريقية تمثل نموذجًا فكريًّا، بينما الوحدة الإفريقية (البان أفريكانزم) تُعدّ حركة على الأرض مهَّدت لمؤتمرات الوحدة الإفريقية منتصف القرن الماضي، بهدف تغيير الوضع الاستعماري للشعوب الإفريقية، وكان من أبرز رُوّادها المُؤسِّسين هنري سيلسفتر ويليامز وويليام ديبوا([51]).
4/ ما بعد الحداثة
تركز ما بعد الحداثة على التشكيك في مناهج الأدب والفنون والعمارة والتاريخ والفلسفة، كرد فعل على اليقينيات المفترضة، وهي بذلك تشترك مع المركزية الإفريقية في نقد التفسيرات المعيارية للواقع، بيد أن الاختلاف بينهما يتمثل في كون المركزية الإفريقية تنقد الواقع، وتبحث عن وكالة الأفارقة الزنوج من أجل إعادة تشكيلها من واقع إفريقي بحت([52]).
المحور الثالث:
تقييم المركزية الإفريقية
أثارت كتابات أسانتي -باعتباره أحد أبرز الباحثين في مجال الاتصال من أصل إفريقي-، جدلاً حول المركزية الإفريقية، فمن جانب كان يُنظَر إليه باعتباره صاحب رؤية، ومن جانب آخر تمَّت شيطنته من قبل كثيرين؛ حيث تعرَّضت آراؤه للهجوم المتكرر مِن قِبَل علماء وأكاديميين ممن شكَّكوا في قوة حجته حول “المركزية الإفريقية” ومدى قابلية أفكاره للتطبيق، خلافًا لتزايد حدَّة الغضب في مصر التي أفسح لها مجالاً واسعًا في كتاباته وحديثه الدائم بأنها حضارة وقومية زنجية يحتلها العرب.
سيركز هذا المحور من الورقة على رَصْد الاتجاهات النقدية في فكر أسانتي، وتحديدًا الغربية والمصرية، إضافةً إلى رَصْد الجوانب الحركية (التطبيقية) للمركزية الإفريقية عند أسانتي، وهل تم تطبيق فكره أم لا؟ ومدى نجاح تطبيق الفكر، وهل هو قابل للتطبيق إذا لم يكن قد تم تطبيقه؟
الاتجاهات النقدية لفكر أسانتي:
لم تواجه أي نظرية انتقادات حادة كتلك التي طرحها أسانتي بشأن المركزية الإفريقية، رغم دعمها مِن قِبَل أوساط من بعض المتخصصين في الدراسات الأفروأمريكية، وهي الانتقادات التي تعكس الطبيعة الأكاديمية لنظرية المركزية الإفريقية وآثارها المترتبة على الاهتمامات الاجتماعية والثقافية والفكرية الأخرى، ومن أبرز هذه الانتقادات ما يلي:
1- انتقادات غربية
ثمة نقاط ضعف بارزة رصَدها مفكرون غربيون، من خلال الانتقادات الفكرية والأكاديمية الموجهة لمركزية أسانتي، منها أن تلك الأفكار تعلم تمامًا ما هو غير صحيح، خاصة فيما يتعلق بأصول الحضارة الإفريقية، وكذلك أنها مركزية أيديولوجية بطبيعتها، وتخلق انقسامًا زائفًا بين المركزية الإفريقية والمركزية الأوروبية، باستخدام الخطابة والبلاغة كبديل للتحليل، وتعيد العنصرية الحديثة إلى عنصرية الماضي التي لا صلة لها بالموضوع، كما أنها لا تعالج الواقع الاجتماعي والثقافي سواء لمجتمع الشتات الإفريقي أو الأفارقة داخل القارة([53]).
كما حذَّرت أوساط أكاديمية بما في ذلك ذات الأصول الإفريقية من أنَّ المركزية الإفريقية تساهم في أسوأ أشكالها في خَلْق حالة ثقافية لا تُعامل الناس على أنهم متساوون بل كمسيطرين ومتفوقين على غيرهم، كما في دعوة أسانتي إلى الإقرار بأفضلية السود وتفوقهم على غيرهم من الأجناس. وبالتالي يجب أن تتجنَّب الأنظمة التعليمية الأمريكية وَضْع مناهج تقوم على أساس العِرْق؛ حيث هناك ضرورة في تعرُّض جميع الدارسين لأكبر قدر من الخبرات والمعرفة المختلفة، وذلك في مواجهة اعتقادات المركزية الإفريقية بأن جميع الأجناس الأخرى يجب أن تخضع لها دراسيًّا([54]).
علاوة على ذلك، تبدو الحجة الرئيسة التي قدَّمها النُّقَّاد الأكاديميون لمركزية أسانتي، خاصةً أنصار ما بعد الحداثة، أنها نظرية جوهرية بمعنى أنها تعتمد على مجموعة ثابتة وغير متغيرة بمرور الوقت من المفاهيم حول هوية الأمريكيين من أصل إفريقي، دون الاعتماد على أصل بيولوجي([55]).
واحدة من نقاط الضعف الأخرى، تتمثَّل في النقد المُوجَّه إلى تلك النظرية باعتبارها تُمثِّل ملاذًا وعلاجًا لغياب احترام الذات الإفريقية، وكمسار تعويضيّ من أجل الإصلاحات السريعة([56]). كما أن المركزية الإفريقية بوجهة نظر نسوية تنكر قضايا المرأة رغم حديثها البلاغي عن العنصرية ومعارضة الاستغلال، مع عدم تقديمها تفسيرات للقضايا المجتمعية والاقتصادية لعالم الرأسمالية([57]).
2- انتقادات مصرية
منذ السنوات الأولى لطرح أفكار الأصل الزنجي للحضارة المصرية القديمة، التي تعود إلى القرن الـ19 مرورًا بأطروحة المفكر السنغالي الشيخ أنتا ديوب في النصف الثاني من القرن العشرين، لم تخترق المواجهة المصرية لها حاجز الرفض الشعبي، بيد أن التأثيرات السلبية للمركزية الإفريقية في السنوات الأخيرة والتي طالت الهوية الحضارية والتاريخية لمصر والمصريين خلقت انتفاضة شعبية وأكاديمية وثقافية لافتة.
وبما أن أسانتي يستمد معظم أفكاره في المركزية الإفريقية من كتابات أنتا ديوب وماركوس جارفي وغيرهما من المفكرين الأفارقة ممن ربطوا الحضارة المصرية القديمة بالأصل الزنجي؛ فإنه يمكن الإشارة إلى جملة أسباب لهذا الرفض المصري لأفكار أسانتي؛ منها: ما يرتبط بفكرة الانتساب للزنوج الأفارقة، وأخرى مرتبطة بغلبة انتماءات أخرى على الفكر المصري، خاصةً الانتماء العربي والإسلامي([58]).
كما يُجمع علماء الآثار والأنثروبولوجيا المصريون على رفض أفكار الأصول الزنجية لمصر القديمة، فمن جهة يعتبر علماء الآثار المصريون أن مصريي اليوم خليط من يونان ورومان وعرب وأتراك وغيرهم، وقد حدث هذا الاختلاط جراء الغزوات والهجرات المتعاقبة على مصر منذ زمن بعيد، مما أدى إلى تغيير التركيبة السكانية مع تقادم الزمن. ومن جهة أخرى يتفق علماء الأنثروبولوجيا على أن بداية ظهور الحضارة في مصر تواكب مع بداية ظهور الزراعة التي اقترنت ببناء القرى، ثم تكوين الجيش.. إلى آخره، ولم يكن المصريون القدماء سودًا بل فقط تربطهم بإفريقيا علاقات، وذلك مثل بقية مناطق العالم الأخرى([59]).
وفي ندوة بعنوان “أسرار الفراعنة” عُقدت بجامعة المنصورة بمصر في نوفمبر 2019م، قال عالم الآثار المصري زاهي حواس: “لنا أصل خاص، وليس لنا صلة بالعرب أو إفريقيا، وآثارنا ورسومات الفراعنة تثبت أن الجيش يحمي مصر منذ 5 آلاف سنة وحتى الآن”([60]).
إلا أن الانتقادات التي تلاحق غالبية علماء الآثار المصريين تؤثر على ردودهم وحجتهم في نقد المركزية الإفريقية، فغالبًا هم يعملون كمراقبين للبعثات الأجنبية التي تعمل في التنقيب عن الآثار في مصر، ولم يقوموا بكشوفات أثرية ذات قيمة، ومِن ثَمَّ فَهُم غير مُؤهَّلين للفصل في مسألة أصل المصريين القدماء([61]).
على الجهة الأخرى، ثمة مبادرات بحثية مصرية تشير إلى أن مصالح مصر المصيرية تقتضي الحاجة إلى بداية جديدة تمامًا مع القارة الإفريقية، تبدأ بتغيير المدركات السلبية المتبادلة بين الطرفين، وتدعو في الوقت ذاته في ضوء التحولات في النظام العالمي إلى سرعة استخدام الفرعونية كمنظومة يروج لها في إفريقيا([62]).
وفيما يسير أسانتي على خطى ديوب بشأن الأصل الزنجي للحضارة الفرعونية، تستدل أدبيات مصرية([63]) على تاريخ النشاط الكشفي للمصريين القدماء لإفريقيا قبل المعرفة الحديثة للأوروبيين لما في داخل القارة؛ حيث تدل بعض النقوش والآثار على أنه كانت بين مصر وبلاد النوبة الواقعة جنوبًا علاقات منذ فجر التاريخ، يتضح ذلك من خلال تعدد رحلات المصريين القدماء نحو الجنوب وإسهاماتهم في هذا الوقت المبكر في تنظيم طرق الاتصال؛ سواء عن طريق البر في الدروب الصحراوية، أو عن طريق النيل، كما تستند الأدبيات المصرية على أن الهجرة كانت من الشمال إلى الجنوب، وليس العكس –على خلاف ما يزعم المفكرون الأفارقة الأوائل، ومن بعدهم أنصار المركزية الإفريقية بمن فيهم أسانتي-؛ ففي حين أدى الصراع على السلطة في أواخر الأسرة العشرين بمصر القديمة إلى تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في مصر؛ فقد هاجر عدد كبير من المصريين للجنوب واستقر كثيرون منهم، وأقاموا ممالك كما في مملكة نباتا النوبية، ولاحقًا نجح أحد ملوكها (بغنخي) في غزو مصر، وخلفتها بعد ذلك في بلاد النوبة مملكة أخرى هي مملكة مروى.
كما يتبين من النقوش المسجلة على معبد الدير البحري بمدينة الأقصر جنوبي مصر، قيام بعثة (الملكة حتشبسوت) من ملوك الأسرة الثامنة عشرة إلى بلاد بُنت (إرتيريا والصومال)، كما اهتم الجغرافيون في مصر القديمة بمنابع النيل وتتبُّع مجراه، فبطليموس الجغرافي (وهو مصري يوناني) رسم خريطته للعالم ووصف النيل ومجراه كما وصف نهر عطبرة والنيلين الأزرق والأبيض وغيرها، مما يُدلِّل على أن الحضارة المصرية وصلت تأثيراتها بطريقة ما إلى داخل إفريقيا، وليس العكس.
الجوانب الحركية للمركزية الإفريقية:
رغم قوة خصوم أفكار أسانتي؛ إلا أنه لا أحد ينكر أن إفريقيا تأثرت بشكل كبير بأفكاره، كما أنه خلال ذروة نقاشات المركزية الإفريقية، ظهرت العديد من المدارس والكليات الإفريقية في الولايات والمدن الأمريكية الكبرى، التي وفَّرت موضوعات حول أفكار أسانتي؛ الأمر الذي يمكن تلمُّسه في تدشين مئات من برامج الدراسات السوداء في مختلف الولايات الأمريكية مناهج تلتزم بمنهجية المركزية الإفريقية.
صحيح أن نظريات “المركزية الإفريقية” ظهرت قبل عقود من ولادة أسانتي؛ إلا أنه أول من صاغ هذا المصطلح في كتاباته وأفكاره التي أحدثت في السنوات الأخيرة تأثيرات واسعة في إفريقيا وخارجها، كان لمصر النصيب الأوفر منها؛ إذ بنى اعتقاداته على اعتقادات مفكرين أفارقة ومنحدرين من أصل إفريقي، أمثال الشيخ أنتادوب، أحد رُوّاد تيار الزنوجة، والذي ركَّزت قضاياه الرئيسة في الفكر السياسي حول فكرة الأصل الزنجي للحضارة المصرية.
وثمة اعتقاد بين المنحدرين من أصل إفريقي ممن يتبنون أفكار المركزية الإفريقية، أن دراسة إفريقيا وشعوبها من منطلق إفريقي بحت أمر كفيل لتحقيق مسعاهم، إلا أنه على أرض الواقع، وبنظرة فاحصة فإن الوحدة بين الأفارقة السود يُعيقها غياب اللغة الواحدة المشتركة في قارة تتحدَّث مئات اللغات المحلية وغيرها التي تعود إلى عصور الاستعمار؛ فهناك الأنجلو فون والعرب فون والفرانكفون وغيرها، إضافة إلى الاختلافات العِرْقية والقبلية الشديدة التي تتميز بها إفريقيا، وجعلتها مسرحًا للحروب الأهلية على مدار عقود ولا تزال. كما يشير تاريخ إفريقيا المعاصر إلى غياب أيديولوجية مُوحَّدة تجمع الأفارقة وتتخطَّى حدود العِرْق واللون والأديان والعادات والتقاليد والثقافات والاختلافات الإقليمية والحياتية والاقتصادية والاجتماعية، وغيرها.
ومع ذلك؛ فإن أسانتي يبتعد في أفكاره وكتاباته عن الكثير من الأسئلة حول نزعة المركزية الإفريقية، خاصة تلك التي يثيرها منتقدو نظريته على غرار: هل كانت مصر القديمة حقًّا أمة سوداء؟ وهنا لم يقدم أسانتي أدلة تثبت ذلك، بل يعتمد فحسب على ما قدَّمه المفكر السنغالي أنتا ديوب حول الأصل الزنجي للحضارة المصرية القديمة، والتي تم تفنيدها مِن قِبَل العديد من الباحثين المصريين، وما هو حجم وطبيعة الاتصال التاريخي بين مصر وإفريقيا جنوب الصحراء التي جاء منها أسلاف معظم الأمريكيين السود؟ لذلك؛ فإن الكثير من الانتقادات الموجهة له بأن أفكاره وكتاباته تفتقد الصرامة الأكاديمية واحترام المنطق والأدلة.
ولم يتوقف نشاط أسانتي على الجانب الأكاديمي سواء في كتاباته أو جمعيات دعم نشاطه وأفكاره في نشر المركزية الإفريقية فحسب، بل امتدت تأثيراته وانعكست في السنوات الأخيرة بشكل أكثر وضوحًا في أعمال ونشاط مشاهير حول العالم، خاصةً في صناعة السينما والدراما ومجالات الموضة والأزياء، ويتبين ذلك في تبنّي أحد مشاهير هوليوود، وهو الأمريكي من أصل إفريقي الممثل والمنتج كيفين هارت، أفكار تيار المركزية الإفريقية كلها، إلى الحد الذي قاده إلى إنتاج وتقديم عمل فني يجمع بين الدراما والتوثيق، حمل اسم “دليل كيفين هارت إلى التاريخ الأسود”، وتم إذاعته وعرضه عبر منصة “نتفلكس”([64]). وعلى غرار هارت، هناك أيضًا المطربة الأمريكية من أصول فرنسية وإفريقية بيونسيه([65])، وعارضة الأزياء ذات الأصول الجامايكية: ناعومي كامبل([66])، وغيرهم.
ختامًا، يمكن القول: إن المركزية الإفريقية في شكلها الحالي والمبنية على أفكار أسانتي، تتحسَّس طريقها في الترويج لأفكارها في السنوات الأخيرة، في سياق يمثل صراعًا حضاريًّا وأيديولوجيًّا يُستخدم فيه مختلف أدوات ووسائل التكنولوجيا الحديثة من مسرح إلى سينما وتلفزيون وصولاً إلى منصات التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي، وإن كانت حتى الآن أفكارًا غير قابلة للتطبيق؛ إلا أن عدم مواجهتها على مختلف المستويات، وتحديدًا المستوى الفكري والأكاديمي قد يُفْسِح لها المجال للتمدُّد إلى مساحات أكثر رحابة، فغَنِيّ عن التذكير: كيف سرقت الحركة الصهيونية الأراضي العربية المحتلة بعد هندسة جيواستراتيجية طويلة المدى غيَّرت مجرى ومسار التاريخ!!
[1] – أ. د. حمدي عبد الرحمن، حوارات إفريقية: كيف نفهم إفريقيا؟، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 11 يناير 2023م،
[2] -Jackson, R. L., & Givens, S. M. (2006). Molefi Kete Asante. SAGE Publications, Inc., p.4 https://doi.org/10.4135/9781452225692
[3] – يرمز مصطلح الياقات إلى نوعية العمالة أوائل القرن العشرين، لتصنيف العمال ذوي المهن اليدوية والأخرى المكتبية. بعد الحرب العالمية الأولى، كان عمال المصانع من فئة العمال اليدويين يرتدون لباسًا أزرق، وعملهم كان يتطلب جهدًا بدنيًّا عاليًا أو مهارة لا تتطلب تعليمًا عاليًا. للمزيد: Maloney, Thomas. “African Americans in the Twentieth Century”. EH.Net Encyclopedia, edited by Robert Whaples. January 14, 2002. URL
[4] -Turner, D. D. (2002). An Oral History Interview: Molefi Kete Asante. Journal of Black Studies, p. 714: 715
[5] -Jackson, R. L., & Givens, S. M. , op.cit. p.5
[6] -Turner, D. D. op.cit. p.713: 715
[7] -Jackson, R. L., & Givens, S. M. , op.cit. p.5
[8] -Turner, D. D. op.cit. p. 714: 715.
[9] -Arthur L. Smith (asante), rhetoric of black revolution, 1969, p.7, Internet Archive
[10] -IDIM, P. 184
[11] -Encyclopedia Britannica,
[12] -Molefi Kete Asante, Temple University College of Liberal Arts,
[13] -Library of Congress Cataloging-in-Publication Data Encyclopedia of African American history / Leslie M. Alexander and Walter C. Rucker, editors. p. 618,
[14] -Turner, D. D. op.cit. p.716: 717
[15] -Leslie M. Alexander and Walter C. Rucker, op.cit. p.619
[16] -Temple University College of Liberal Arts, op.cit.
[17]– اعتبارًا من عام 2004 لم يكن هناك سوى برنامجين آخرين من هذا القبيل، في جامعة ماساتسوستس وجامعة كاليفورنيا بيركلي Jackson, R. L., & Givens, S. M. , op.cit. p.3
[18] -Temple University College of Liberal Arts, op.cit.
[19] -Jackson, R. L., & Givens, S. M. , op.cit. p.18: 19
[20] -Temple University College of Liberal Arts, op.cit.
[21] -Encyclopedia Britannica, op.cit.
[22] -Van Dyk, Sandra. “Molefi Kete Asante’s Theory of Afrocentricity: The Development of a Theory of Cultural Location.” Phd. Thesis, Temple University, 1998. P.45
[23] -Turner, D. D. op.cit. p.717
*- Umfundalai كلمة تعني في اللغة السواحيلية “الجوهر أو الأساس”، وهي أسلوب رقص إفريقي معاصر يشتمل حركات تقليدية في جميع أنحاء الشتات. للمزيد: https://www.umfundalai.net/
**- مارمبا آني باحثة في الدراسات الإفريقية، معروفة بأحد أشهر مؤلفاتها ” Yurugu: An African-centered Critique of European Cultural Thought and Behavior ” وهو نقد شامل للفكر والثقافة الأوروبية، وكذلك عُرفت باستخدامها لمصطلح مافا “maafa” الذي يشير إلى الإبادة الإفريقية.
[25] -Turner, D. D. op.cit. p.719
[26] -Arthur L. Smith (asante), op.cit. p.26, Internet Archive
[27] –IDIM.
[28] – IDIM. P.29, P.30
[29] -IDIM. P.34, P.36
[30] -IDIM. P.40
[31] -Turner, D. D. op.cit. p718. P.724
[32] -Molefi Kete Asante, Afrocentricity , 1988, Internet Archive , P.4
[33] -IDIM. P.n8
[34] -IDIM. P.15
[35] –Molefi Kete Asante, Race in Antiquity: Truly Out of Africa, Published 5/19/2009, https://bit.ly/41JvM7g
[36]– موليفي كيتي أسانتي، محاضرة حول المركزية الإفريقية، كلية مجتمع مقاطعة سوفولك، ولاية نيويورك الأمريكية، منشورة على موقع يوتيوب، بتاريخ 15 فبراير 2018، https://bit.ly/432K5Ff
[37] – موليفي كيتي أسانتي، محاضرة حول المركزية الإفريقية. م.س.
[38]– نفسه.
[39] -Molefi Kete Asante Institute, “Kevin Hart and Blackness of Ancient Egyptians” – Dr. Molefi Kete Asante, youtube, https://bit.ly/3IeCmvs , M. 11
[40] -Aidi, H. D. (2005). Slavery, Genocide and the Politics of Outrage: Understanding the New Racial Olympics. Middle East Report, (234), 40. https://doi.org/10.2307/1559368
[41] -Molefi Kete Asante, Afrocentricity, op.cit. P.12.
[42] –Molefi Kete Asante, The Afrocentric Idea, Preface, 1998
[43] -Molefi Kete Asante, Afrocentricity, op.cit. P.31
[44] -IDIM, P.45
[45] -IDIM, P.115
[46] -IDIM, P.59: 60
[47] -IDIM, P.96
[48] -Turner, D. D. op.cit. p.721
-[49] محاضرات غير منشورة للأستاذ الدكتور/ صبحي قنصوه، أستاذ الفكر السياسي بجامعة القاهرة، 2023م.
[50] -Adeshina Afolayan and Toyin Falola, THE PALGRAVE HANDBOOK
OF AFRICAN PHILOSOPHY. New York, NY: Palgrave Macmillan, 2017, p.236.
[51] –IDIM. P.237
[52] –IDIM. P.239
[53] -Van Dyk, Sandra, op.cit. P.150
[54] -Brown, M. Christopher. “Chapter 24: Critiques of Afrocentricity, Comments on Multiculturalism.” Counterpoints, vol. 94, 2001, pp. 544–546. JSTOR, http://www.jstor.org/stable/42976781.
[55] -Van Dyk, Sandra, op.cit. P.139.
[56] –IDIM. P.143: 144
[57] -IDIM. P.146, P.150
[58] – إيمان عبد العظيم، “الفرعونية في الفكر السياسي للشيخ أنت جوب: دراسة في الهوية الإفريقية لمصر”، رسالة منشورة مقدمة لاستكمال متطلبات الحصول على درجة الماجستير في الدراسات الإفريقية (سياسة)، معهد البحوث والدراسات الإفريقية، جامعة القاهرة، 2016م، ص 131. https://scholar.cu.edu.eg/?q=tota/files/rsl_lmjstyr.pdf
[59] – المرجع السابق ص 123، ص 127.
[60] -https://www.almasryalyoum.com/news/details/1444026
[61] – إيمان عبد العظيم، م. س. ذ ص 146: 147.
[62] – نفسه، ص 187 : 188.
[63] – دكتور شوقي الجمل، دكتور عبد الله عبد الرازق إبراهيم، تاريخ إفريقيا الحديث والمعاصر (طبعة جديدة منقحة ومزيدة)، ط2 – الرياض، دار الزهراء للنشر والتوزيع، 2002م.
[64] –netflix.com, Kevin Hart’s Guide to Black History, https://www.netflix.com/eg/title/80231156
[65] -Fabien Bièvre-Perrin, “Ancient Egypt summoned to Coachella by Beyoncé: why Tutankhamun and Nefertiti?”, Antiquipop, Lyon, 16/04/2018
https://antiquipop.hypotheses.org/eng/3693eng
[66] -arabnews, Naomi Campbell celebrates Egypt, reveals love of Cleopatra, Updated 04 February 2021, https://arab.news/63bdc
المصدر: قراءات افريقية